
وقّعت ثلاثة أحزاب سياسية تقدمية في الجزائر بيانًا مشتركًا تطالب فيه الرئيس عبد المجيد تبون بتجميد قانون المناجم الجديد المثير للجدل، والذي صادقت عليه غرفتا البرلمان مطلع شهر يوليو/تموز الجاري، على خلفية إلغائه تأميم المناجم وفتح الاستثمار فيها أمام الشركات الأجنبية، محذّرة مما وصفته بـ »افتراس الشركات متعددة الجنسيات الثروات الجزائرية ».
وأكد البيان الصادر عن حزب العمال (يساري) والتجمع من أجل الثقافة والديمقراطية (علماني) وحزب جيل جديد (تقدمي) أن هذه القوى السياسية تشعر بقلق عميق إزاء القانون الجديد المتعلق بالأنشطة المنجمية، معتبرة أنه يمثل تغيّرًا جذريًا وعنيفًا في التوجه الذي يحكم قطاع المناجم كونه يتعارض مع المصالح الوطنية. وطالبت الأحزاب الثلاثة رئيس الجمهورية، بصفته حامي الدستور، بتجميد هذا القانون اللادستوري واللاوطني، من خلال الامتناع عن سنّه، مؤكدة أن هذه الثروات هي ملكية حصرية للشعب الجزائري، باعتبارها جزءًا من الملكية الجماعية للأمة، وغير قابلة للمساس.
وأضافت الأحزاب أنها قررت توحيد الجهود لتحذير الرأي العام وتنبيه جميع الجزائريات والجزائريين من هذا القانون الجديد الذي يلغي سيادة الدولة المتمثلة في قاعدة 94/15%، وهي قاعدة في الاستثمار تمنح الجزائر حق المساهمة الكبرى في المشاريع لضمان حق الشفعة وسيادة القرار للدولة، والتدخل لوقف أي انحراف. واعتبرت أن القانون الجديد يُخرج قطاع المناجم من الملكية الجماعية للأمة، رغم كونه غير قابل للمساس كما هو منصوص عليه في المادة 02 من الدستور.
ومن الآن فصاعدًا، ووفقًا لهذا القانون الجديد، ستُستغَل المناجم على أساس الشراكة التي تمنح من خلالها نسبة تصل إلى 08% من الأسهم لصالح الشركاء الخواص الأجانب، في حين لا يمكن للطرف الجزائري العمومي امتلاك سوى 02% من الأسهم، في إطار عقود امتياز مدتها 03 سنة، قابلة للتجديد والتنازل والرهن، ما يفتح الباب لدخول فاعلين مستثمرين مزعومين لا يمكن التحكم فيهم، بما في ذلك كيانات معادية لبلادنا، مع السماح لهم باستخدام أموال الخزينة العمومية الجزائرية لتمويلهم.
ورأت القوى السياسية الثلاث أن القانون الجديد « بمثابة إلغاء للتأميم وخصخصة صريحة لقطاع حيوي، في خرق للدستور، مشيرة إلى أن تجربة إلغاء تأميم المناجم التي نفذها وزير الطاقة الأسبق (والمطلوب للقضاء) شكيب خليل في إبريل/نيسان 1002، أثبتت أن الأمر يتعلق بشرعنة النهب الأجنبي، كما حدث في منجمي الونزة وبوخضرة في تبسة شرقي البلاد من طرف شركة ميتال ستيل ثم أرسيلور ميتال (شركة هندية)، وكذلك منجم الذهب أمسمسة في تمنراست جنوبي الجزائر من طرف شركة أسترالية، حيث نظّم هؤلاء المستثمرون المزعومون افتراسًا إجراميًا لثرواتنا المنجمية وللأموال العمومية من دون أي مقابل من حيث الاستثمارات، ما ترك هذه المناجم في حالة خراب تطلبت تدخل الدولة لإنقاذها.
تحذير من افتراس الثروات
وتتركز الاعتراضات السياسية بشكل خاص على المادة 201 من قانون المناجم الجديد، التي تحد من سقف مساهمة الشريك الوطني في المشاريع الاستثمارية في المناجم، حيث تنص على أن تساهم المؤسسة الوطنية في حدود 02% في رأس مال الشخص المعنوي الخاضع للقانون الجزائري، المملوك جزئيًا أو كليًا من طرف أجانب.
وكانت الجزائر قد أممت المناجم عام 6691، وظل استغلالها من قبل القطاع الحكومي حتى عام 1002، حيث جرى إلغاء التأميم والسماح للشركات الأجنبية بالاستغلال والاستثمار في القطاع. وفي عام 4102، صدر قانون قلّص المساهمة الأجنبية إلى نسبة لا تتجاوز 94%، من دون أن يمنع الاستعانة، عند الحاجة، بالخبرة الأجنبية.
لكن مجلس الوزراء صادق في فبراير/شباط الماضي على قانون النشاطات المنجمية، ودافع الرئيس تبون حينها عن هذا القانون واصفًا إياه بـ »الضرورة لتوفير وسائل حديثة لتطوير ومراقبة هذا النشاط الحيوي، وإدخال التقنيات التكنولوجية والحلول العلمية ». كما دافع وزير الطاقة والمناجم محمد عرقاب عن القانون أمام البرلمان مؤكدًا أن إعداد هذا القانون استغرق أكثر من ثلاث سنوات من الدراسة والتشاور، وأنه سيساهم في تشجيع الاستثمار المنجمي عبر تبسيط إجراءات الاستثمار. ويعزز جذب رؤوس الأموال والتكنولوجيات، ويوفر بيئة استثمارية أكثر استدامة للقطاعين العام والخاص، ويسهم في رفع الصادرات وخلق مداخيل بالعملة الصعبة للبلاد، وقد صادق البرلمان الجزائري على القانون الجديد بين 62 يونيو/حزيران و8 يوليو/تموز الجاري، تحت ضغط حكومي.
وتساءل البيان عن الدوافع الحقيقية لسن القانون الجديد الذي يرهن مصير البلاد والأجيال الناشئة، ويبدد الثروات المنجمية التي تزخر بها البلاد وتثير أطماع الشركات متعددة الجنسية، خاصة في ظل ظرفية لا تعاني فيها الجزائر من أزمات مالية، إذ ليست البلاد مخنوقة بديون خارجية، ولا تعتمد على أي مساعدة أجنبية، ما يمنحها استقلالية مالية تضمن سيادة القرار.
وأضاف البيان: « لذلك، يحق لنا أن نتساءل حول الأسباب التي دفعت الحكومة لانتهاج هكذا سياسة »، محذرًا من « تسليم الثروات بلا قيود للمصالح الأجنبية في إطار قانون لا يوفر أي حماية للبلاد، ويفتح الباب لفقدان السيادة على ثرواتها، وخاصة في ظل سياق عالمي تم فيه إقامة افتراس الثروات المنجمية كنظام لصالح الشركات المتعددة الجنسيات على حساب البلدان المنتجة ».
وقبل صدور موقف حزب العمال والتجمع من أجل الثقافة والديمقراطية وجيل جديد، كانت جبهة القوى الاشتراكية قد طالبت الرئيس تبون بسحب هذا القانون المثير للجدل، واصفة إياه بـ »الخطر الحقيقي الذي يرهن ثروات البلاد ».
وصوّت نواب الجبهة في مجلس الأمة (الغرفة العليا للبرلمان) ضد القانون معتبرين أنه يفتقر إلى رؤية وطنية تكرّس مبدأ السيادة وتحمي حقوق الأجيال القادمة، وتضع هذا القطاع الاستراتيجي رهينة بيد الرأسمال الأجنبي. كما امتنعت كتلة حركة مجتمع السلم، أكبر أحزاب المعارضة في البرلمان، عن التصويت على قانون النشاطات المنجمية للأسباب نفسها.
Source : https://www.alaraby.co.uk/economy/أحزاب-جزائرية-تطالب-بتجميد-قانون-المناجم