في خضم الموازنات الوطنية وأولويات الدولة، تبدو بجاية مهمشة، محكومة بحالة من التعتيم الدائم، إن لم تكن متعمدة. فرغم الإمكانيات الاستثنائية التي تزخر بها، تعاني البنى التحتية الكبرى — الميناء، المطار والتلفريك — والتي تشكل مثلثًا استراتيجيًا قادراً على تحويل الولاية إلى رافعة تنمية إقليمية متكاملة ومستدامة وذكية، من تأخرات وتناقضات واضحة. فالدولة كثيرًا ما تعتبرها مجرد نقطة عبور، بدل أن تُدمج في رؤية شاملة وعادلة لتهيئة الإقليم.
ميناء استراتيجي غير مستغل
يُعد ميناء بجاية من أهم الموانئ في البلاد، خصوصًا في مجال نقل المحروقات، غير أنه لا يزال يعاني من ضعف البنية التحتية. فعمقه المحدود لا يسمح باستقبال السفن الحديثة ويقلل من جاذبيته لدى كبار الفاعلين اللوجستيين. ومع أن دراسة تقنية أُنجزت قبل سنوات تقترح توسيعًا بحريًا لرفع العمق إلى 61-71 مترًا وإنشاء 0021 متر من الأرصفة الإضافية — أي زيادة بـ 05٪ من الحجم الحالي — فإن المشروع لا يزال في طي النسيان. إن تجسيده، إلى جانب إنشاء منطقة لوجستية مرتبطة بمناطق النشاط الخلفية، كفيل بجعل بجاية حلقة محورية في التجارة المتوسطية.
مطار بإمكانات مُهملة
أما مطار « سومّام – عبان رمضان »، فلا يستجيب للمعايير الحالية ولا لحاجيات المسافرين المتزايدة. تجهيزاته متقادمة، وربطه بالشبكات الوطنية ضعيف، وآفاق تطويره مُهملة. في حين أن المحور بجاية – سطيف يمثل ممرًا ديناميكيًا يستدعي تحويل المطار إلى مركز جهوي. المشروع الأساسي هو تمديد المدرج البحري بـ 006 متر ليبلغ طوله 0023 متر، ما سيسمح باستقبال الطائرات الكبيرة. ورغم أن الموقع الطبيعي بين البحر والجبل يُعقد الأشغال، إلا أن جدواه الاستراتيجية واضحة.
شبكة الطرق تحتاج إلى انسيابية
ينبغي تحسين الربط الطرقي لتعظيم مردود هذه البنى. من ذلك، إنشاء ربط مباشر بين الطريق الوطني رقم 21 والطريق الوطني رقم 9 انطلاقًا من « بير سلام » إلى سوق الجملة والحي الجامعي، لتفادي اختناق « الطرق الأربعة » . كما أن بناء جسر علوي عند مفترق الطرق المجاور لموقع سوناطراك سيقضي على تعارض حركة المرور القادمة من الميناء شرقًا والمتجهة إلى وسط المدينة، مما يخفف من الازدحام المزمن.
ضرورة ازدواجية الطريق الوطني رقم 9
تُعد عملية ازدواج الطريق الوطني رقم 9، خصوصًا في المقطع الرابط بين بجاية وخراطة، ثم إلى داخل البلاد، أمرًا حيويًا. هذا الطريق يشهد حركة كثيفة ويُعد عنق زجاجة يعيق تنقل الأشخاص والبضائع على حد سواء. لذلك، يجب تصنيفه ضمن الأولويات الوطنية.
إعادة تأهيل الطرق الريفية والبلدية
من جهة أخرى، تعاني الطرق البلدية التي تربط القرى المعزولة بالمحاور الكبرى من تدهور كبير. ويُعد تأهيلها — من حيث التزفيت والسلامة — أمرًا جوهريًا لفك العزلة عن المناطق الريفية والجبلية، التي غالبًا ما يُهمل حيويتها. فهذه الشبكات »الثانويةهي في الحقيقة مفاتيح أساسية للإدماج الإقليمي.
فتح محور جديد من الشمال الغربي
فتح طريق يربط « بير سلام » بقطب « سيدي بودرهم » وصولًا إلى مركز الردم التقني لبجاية، سيوفر مخرجًا جديدًا نحو الطريق الولائي الرابط بين « توجة » وبجاية (مرورًا بقرية الكيلومتر 71)، مما يسهم في فك العزلة عن وسط المدينة، خاصة المحور « أعمريو – إغيل البورج ».
التلفريك… رمز التأخر الهيكلي
يمثل مشروع التلفريك في بجاية رمزًا للفشل المزمن في تنفيذ المشاريع. رغم أنه صودق عليه وُرصدت له الميزانية وأُعلن عنه مرارًا، إلا أنه لا يزال حبرًا على ورق. بينما كان يمكن أن يشكل حلًا ناجعًا في مدينة ذات تضاريس وعرة وازدحام شديد. فالتلفريك يمكنه تسهيل التنقل بين وسط المدينة والأحياء العليا، وفك العزلة عن بعض المناطق المكتظة، إضافة إلى كونه عامل جذب سياحي. ويزداد الإلحاح مع افتقار بجاية في سنة 5202 إلى أي موقف سيارات مُهيكل، ما يُفاقم الأزمة خلال الموسم الصيفي الذي يشهد تدفقًا كبيرًا للزوار من الداخل والخارج. ويجب إدماج هذا المشروع ضمن رؤية شاملة للتنقل الحضري المستدام، تشمل وسائل نقل جماعي حديثة، ومواقف منظمة، وربط فعّال بالمناطق الصناعية.
من أجل اعتراف منصف وإرادة سياسية واضحة
ما تطالب به بجاية ليس صدقة، بل معاملة منصفة تتماشى مع ما تملكه من مؤهلات طبيعية وجغرافية. المشاريع موجودة، الحاجات محددة، والدراسات جاهزة. ما ينقص هو إرادة سياسية واضحة، وبرنامج زمني جاد، واعتراف فعلي بالدور الوطني الذي يمكن أن تلعبه هذه الولاية.
مخطط TANS، الحوكمة الترابية وتحرير المبادرات
يمثل المخطط الوطني لتهيئة الإقليم (TANS) الأداة المثلى لإنعاش الاقتصاد، لكنه يتطلب تفعيلًا حقيقيًا على الأرض: من خلال إعطاء روح للمناطق التي يوصي بها، وتعزيز التكامل الإقليمي، واعتماد حوكمة أكثر محلية. ولتحقيق ذلك، يجب التحرر من عقلية المركزية المفرطة، وتمكين المبادرات المحلية، وتحمل المنتخبين مسؤولياتهم، وتنوع مصادر التمويل.
نورة و علي
الأمينة الوطنية لحزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية