أثار مشروع القانون الذي قُدّم مؤخراً أمام مجلس الأمة، والذي يُفترض أن يؤطر استغلال الشواطئ ويُحسن الخدمات السياحية الساحلية، تساؤلات جدية. فرغم المبادئ المعلنة — كالتحديث والتنظيم وضمان مجانية الولوج — فإن النص يُخفي آليات غامضة قد تشرعن، مستقبلاً، خصخصة مُقنعة للشريط الساحلي.
وبينما يستند المشروع إلى القانون رقم 05-03 لسنة 3002 الذي يهدف إلى تعديله، فإن المشرّع ترك عمداً بعض الأحكام الأساسية مفتوحة وغامضة، ما يثير القلق على عدة مستويات:
مدة منح الامتيازات: في حين أن القانون السابق حدد مدة الاستغلال بموسم صيفي واحد، فإن المشروع الجديد يتجنب تحديد هذه المدة، ما يفتح الباب أمام منح طويلة الأجل تفتقر إلى الرقابة. ويبدو هذا الصمت مريباً بالنظر إلى حساسية هذا القطاع.
تبسيط إجراءات المنح: لا يجب أن يعني التبسيط إقصاء الفاعلين الأساسيين. فوفقاً للنص الجديد، يمنح الوالي الترخيص دون إشراف أو رقابة، ودون استشارة إلزامية للهيئات المنتخبة أو المجتمع المدني، وهو ما يُعد تراجعاً واضحاً في مبادئ الحوكمة الديمقراطية لهذا الملك العمومي.
إلزامية مخططات التهيئة: رغم أنها قد تُساهم في تحسين تنظيم الفضاء الساحلي، إلا أنها، في غياب ضمانات كافية، قد تُحوّل أجزاء واسعة من الملك العمومي إلى فضاءات تجارية بشكل رسمي.
تأهيل المستثمرين: مصطلح « المتعاملين المؤهلين » بقي فضفاضاً دون معايير واضحة، ما يفتح المجال لاختيارات اعتباطية لا تستند إلى الكفاءة أو آليات شفافة.
غياب المشاركة المواطنة: لا يتضمن المشروع أي هيئة استشارية محلية في عملية منح الامتيازات أو متابعتها أو تقييمها. لا وجود لأي دور للمنتخبين المحليين أو الجمعيات أو المواطنين.
في صيغته الحالية، يُكرس المشروع مركزية مفرطة، ويُضعف ضمانات حق المواطن في الولوج المجاني للشواطئ، ويفتح المجال أمام استغلال تجاري غير مراقب. ومع أن الدستور الجزائري يُقر بأن الساحل ملك عمومي، إلا أن هذا النص، ما لم يُراجع بعمق، قد يفتح الباب أمام انحرافات خطيرة لا يمكن الرجوع عنها.
إن التحديث لا يعني الالتفاف على الطابع العمومي واللامملوك للشريط الساحلي، ولا يُفترض أن يُقصي المواطنين من القرار. أما الاحترافية فلا يجب أن تكون مرادفاً للخصخصة. والتنظيم لا يجب أن يتحوّل إلى استحواذ.
إنني أرى من الضروري إعادة النظر جذرياً في هذا المشروع من أجل:
– التأكيد الصريح على الطابع العمومي وغير القابل للتفويت للشواطئ؛
– تحديد واضح وصارم لمدة الامتيازات وطبيعتها وشروط تجديدها؛
– إشراك المواطنين والمنتخبين المحليين والمجتمع المدني في كافة مراحل منح الامتيازات ومراقبتها؛
– وضع آليات رقابة وطعن شفافة ومفتوحة للجميع.
إن الحق في الاستجمام على الشاطئ هو حق شعبي، ويجب حمايته من كل أشكال الاستحواذ والإقصاء والتسليع غير المشروع.
الرهان مزدوج: ضمان فضاءات ساحلية ذات جودة ومفتوحة للجميع، وحماية الساحل من التدهور البيئي ومن أطماع مافيوية. حماية هذا الملك العمومي لا يمكن أن تتم إلا من خلال تكريس فعلي للحقوق الفردية والجماعية، وظهور تنظيم مواطني قوي تدعمه قضاء مستقل عن كل أشكال الضغط.
نورة وعلي
الأمينة الوطنية لحزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية